دائما ما اعتذر عن تحليل او وصف او نقد أي برنامج او عمل إعلامي، سواءا كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا، وسبب ذلك انه سوف يشمل الجوانب الثقافية والشرعية والاجتماعية والإنسانية وحتى السياسية –الممنوعين من الكلام فيها- لتلك الرسالة، اضافة الى صعوبة مجال النقد الإعلامي لدينا وتحليل مضمونه،، ويرجع ذلك إلى صعوبة وضع أسس نقدية متفق عليها، وهذا الاختلاف ناتج عن الاختلاف حول طبيعة الاتصال المستخدم الموصل للجمهور.
ويعد التلفزيون –عن طريق القنوات الفضائية- من أهم وسائل الاتصال المعاصرة حيث يتفوق على غيره من وسائل الإعلام بالقدرة على جذب الانتباه والإبهار والمتعة وشدة التأثير واستخدام المميزات الإعلامية المختلفة من صورة ملونة وصوت مفصح وتهيئة عالية الإعداد والتنفيذ. فلو كانت الرسالة الاتصالية عبر أي وسيلة اخرى غير التلفزيون (القناة الفضائية) لما أقمنا الدنيا وأقعدناها بسبب برنامج أو بآخر. وسوف التزم بنقدي للحلقة من خلال هذه المعايير ادناه، بعيدا عن معاني المؤامرة أو الالفاظ السوقية التي ترددها الكثير من المنتديات الجيزانية حول البرنامج و المعد بكل انصاف وعقلانية،، بمعنى سأفترض حسن النية لدى فريق البرنامج في إيصال هذه الرسالة الاعلامية، بعيدا عن اتهامات (شراء الاصوات والمرتزقة في البرنامج) وهو المطلب علينا بكل صراحة، فتاريخه في برنامج 99 وغيرها من البرامج واللقاءات التي اعدها كانت تمتاز بالصراحة والجرأة التي لا تقال بحرية أمام الرأي العام. (حلقة المفحطين، قنوات السحر والشعوذة، المخدرات)، بل حتى حلقة المفحطين كانت تصور من شوارع الرياض المشهورة. وهي شهادة لله في تاريخه الاعلامي المشرف.
نعود الى برنامجه (النبته المحرمة.. القات) التي ارتكب فيها أخطاء اعلامية لا يقع فيها حتى المبتدئ، وبعضها أخطاء (قاتله) ربما تحتاج الى رسائل اعلامية تعوض تلك الاخطاء، أو تقلل من آثارها ونتائجها.. وسألتزم بمعايير وضوابط الاتصال الجماهيري التي اتفق عليها الاعلاميون في تحليل مضمون أي وسيلة اعلامية ( ارجع الى كتاب " الاتصال الجماهيري "لصالح ابو اصبع. عمّان، دار الشروق، 1998 م. )
1.تحديد وتحليل الجمهور المستهدف بالرسالة الإعلامية. وقد أخطأ التقدير في هذا المحور،وذلك من خلال الجانبين:
اولا: خصوصية القات لدى جازان: بمعنى إن كان هدفه تخصيص هذه الرسالة لأهل المنطقة دون غيرها من المناطق، ويتمثل الخطأ هنا بكون ان الوسيلة الاعلامية التي استخدمها هنا يعد تأثيرها وجمهورها أكبر من الجمهور المستهدف (وهم أهل المنطقة)، فجميعنا يعرف شعبية القناة الرياضية لدى جمهور المملكة كافة، والرياضيين من الوطن العربي، وهنا تعد بمثابة الفضيحة التي تخرج عن النطاق التوعوي، فلو ان مثلا خطباء الرياض تحدثوا عن موضوع واحد هو (غلاء المهور لدى حي العليا) فلاشك انهم سيقيمون الدنيا ولهم الحق في ذلك، بسبب تخصيص هذه الرسالة التوعوية للجمهور المستهدف وغلاء المهور معضلة لا ينكرها عاقل. فكيف اذا عرف المقدم ترابط اللحمة بين أهل جازان وتوافق أفكارهم وطباعهم، حتى تخولهم كالاسرة الواحدة، ولا أجدني مبالغا اذا قلت، ان حبهم لجازان أكبر بكثير من كرههم للقات. فيجب ان يكون في اعتبارنا عند تقديم الرسالة التوعوية ان هؤلاء المخزنين ما هم الا اخواننا أو اباؤنا نحب لهم الخير والصلاح كله، ومن مظان وجود الخير والصلاح هو ابتعادهم عن المحذور، وهكذا.. وليست بطريقة الفضح واخراج المستور والسبق التشويقي، التي عرضت فيها البرنامج وذلك من خلال تصويرهم والتي لم تظهر لمسات الحب والعطف عليهم كمبتلين،، اذكر هنا تقرير نبتة القات التي عرضته قناة (العربية) بكل حرفية مهنية، وكان تصويره في اليمن، بقالب يشعرك ان (القات ) مشكلة/آفة عالمية ولم تحتج اليمن أو تستنكر التقرير، واعتقد لو عرض البرنامج في قناة الأثير فقط، فستخف حدة السخط عليه بحكم ان أغلبية متابعي قناة الأثير هم من الجمهور المستهدف. اما ان كان هدفه معالجة قضية القات بشكل عام دون تركيز على منطقة، فخطأه حصر اماكن التصوير والمقابلات والمصورين وحديث المرتزقة عن جازان، جعل من الجمهور المستهدف هم جمهور جازان لا غير! والا فنحن نعرف انتشاره الواسع في المملكة بشكل عام! واغلب الظن ان مقصده من الرسالة التوعوية هم أهل المنطقة،،
اما الجانب الثاني: تحليل جمهور القات الجيزاني: وهذه نقطة مهمة جدا جدا عند تقديم أي رسالة اعلامية تهدف الى تأثيرها الايجابي، خاصة الى قضية كالقات في المجتمع الجيزاني، تحكمه ظروف القربى من اليمن وأصوله منذ قديم الزمن، معتقدا انك خلال زيارة لمدة اسبوعين ستلملم بكافة أطراف القضية، وتكوين رأي مقنع حولها وايصال الرسالة التوعوية من خلالها، مركزا إلى إن ما وصلت اليه من قناعة تامة. اذكر هنا برنامج وثائقي عرض في قناة الجزيرة عن (الصوفية) استغرق الاعداد له ثلاث سنوات تنقل خلالها بين أكثر من 50 دولة. وكان عملا جبارا بالفعل! وصلت الينا أفكار ذلك المقدم بقناعة تامة جدا، وعرف كافة المداخل والمخارج والشبهات حول الصوفية مثلا... كان بودي ان ينتقل فريق العمل الى اليمن، ليلتقي العلماء الذين يرون بتحليله ويجري المناظرات حتى نركن الى قناعة تامة بتحريمه، او حتى الى اسباب تعلق شعبهم به، ولكن يبدوا ان المقدم ارتكن الى الرأي الشرعي الرسمي الذي سانده الرأي السياسي (الحكومي) في القضية ، وهي لا تحتمل التعدد –حسب رأيهم- كيف لا والمقدم مجرد موظف حكومي معتمد من ديوان الخدمة المدنية كما في سيرته الذاتيه ادناه، وينتسب برنامجه الى وزارة الداخلية!!.. (وله العذر في ذلك!!) http://www.salahg.com/vb/showthread.php?t=1884
2-تحديد الهدف العام من الرسالة بما يتناسب مع طبيعة الجمهور المستهدف ومع البيئة العامة (ارجع الى كتاب (أساليب التحليل الإعلامي تعددية الرؤية والمنهجية) لـ د.أرثر برجر .ترجمة د . علي بن شويل القرني، ، الرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ - 1995 م.) .
اختصر المعد المسافة في تقديم الرسالة من هذا الباب، فاعتمد على الخطاب التقليدي سواءا الديني منه او الاجتماعي، واعتمد عليه كثيرا في بناء الرأي والقناعة لديه وفي ايصالها للناس، ربما اعتقد ان هذا الخطاب لم يصل الى كل الناس، وقد الفينا هذا الخطاب منذ زمن دون جدوى او فائدة، وكم كنت اتمنى ان نعيد النظر الى جدوى حملات التوعية والتحذير، التي اعتقد انها تفتقد الى الجدوى والفاعلية فيها، وأقرب مثال فيها مكافحة التدخين والحملات التوعوية ضده وسنوات من العمل الجبار واستخدام كافة وسائل التأثير،والنتيجة هي انتشار اوسع جعل من المملكة –كما في الإحصائيات العالمية- من أكثر الدول استهلاكا للتدخين!! وفي كل مكان: الشارع،العمل،المدرسة... . فكيف بقضية كالقات، لها من الجذور الديني والتاريخي والجغرافي، اليس الأجدى للمقدم ان يصل الى القناعة التامة حوله ويدرك تحدياته وظروفه في المنطقة ليضع من خلال قناعته هدفه المحدد والذي سيضحي من أجله تفكيره ووقته وكافة امكانياته الاعلامية، مبتعدا كثيرا عن التقليدية في الطرح، والاكتفاء بخطابات التوجيه التي تصدر من مراجعه دون ادنى تعب تفكيري في تحليله، وهي فرصة لأوجه دعوة لاصحاب البرامج التوعوية الهادفة ان يبذلوا أقصى طاقاتهم في التجديد لتحقيق أهدافهم التي يكافحون من أجلها،،هذا ان كانت اهدافهم تستحق التضحية!!
3-تنظيم الرسالة الاتصالية وتوزيع الأدلة المنطقية والعاطفية داخل هذه الرسالة . حتى افسر لفريق البرنامج سبب سخطنا – كمهتمين باعلام المنطقة - من الرسالة الاعلامية التي قـُدمت، هو أننا كجوازنه قد تعرضنا للهضم الإعلامي مرات عديدة لحد الإقصاء، بداية من الفساد الاداري في السلطة الماضية بدعم من حاشية الفساد، والتي استمر لأكثر من عقد، مع مطالبة المخلصين من أبناء المنطقة بكشف ذلك ولكن لا فائدة مع تعطل الكثير من المصالح والمشاريع التنموية! زاد الطين بلة ما ابتلانا الله به من بعوضة المتصدع التي كشفت الكثير، وقد خلـّفت صورة مشوّهة عن المنطقة ساهم الاعلام في رسمها، دون مراعاة لمشاعر القوم المنكوب، واذكر كيف كنـّـا نـُرش – بعنصريّة مقيتة - اثناء صعودنا للطائرات، مع تقديرنا للحاجة الطبيّة لذلك.
اثلج صدورنا وقتها زيارة خادم الحرمين الشريفين للمرضى، كاسرا الحجر الصحي حولها بكل شجاعة. وقتها نظر الناس الى بعضهم بانت الأمور،ظهر الفساد على حقيقته، وصار ما صار وجاءنا الامير المخلص محمد بن ناصر، واسس وشيـّـد. والحمد لله في غضون سنوات معدودة عملنا المستحيل بيدٍ واحدة، حتى صرنا في هذا الشتاء (مشتى الكل) وبدأت المشاريع ونهض الاستثمار، ودخلنا في منافسة سياحية حميمية، وولدت الأثير لتصنع بعدا آخر من الابداع في رسم الصورة، وقرية جازان التراثية... ليأتي بعد ذلك فريق برنامج 99 في (نزهة) عمل للمنطقة ليتم التصوير ويعيد المقولة الهلامية، والتي يستخدمها مسؤولينا كثيرا لتبرير تقصيرهم بالقول ( القات هو سبب تأخر المشاريع التنموية والحضارية ) لتعيد نكء الجراح الملتئمة منذ زمن، (بصياغة انتم متخلفون .. متخلفون .. متخلفون .. الى الأبد يا رعاة القات!!) ، ساعدها توجه ديني (ساذج) لا ينظر للأمور إلا بالأبيض والأسود، ليساهم في التطبيل لهذه المقولة وفتح الفجوة التي دخل منها برنامج 99. يتبادر في ذهني صورة ذلك الصحابي ابا محجن الثقفي الذي ابتلي بشرب الخمر وفي كل مرةٍ يـُجلد. ومع ذلك ساهم في تحقيق النصر الغالي للمسلمين في معركة القادسية ليقول له القائد سعد ابن ابي وقاس والله لا نجلدك بعد اليوم فرد وقال والله لا أشربها بعد اليوم! انظروا الى هذا التكريم والتوعية بالحب ولم يمنعه الادمان من المساهمة بفعالية في تحقيق النصر والتمكين. لقد صدق ذلك المرتزق عندما قال في البرنامج: (ما عندنا وظايف ولا شغلة) والغريب ان الرقابة الحكومية على التلفزيون غفلت ذلك! وقد صدق! والجميع يعرف التفاوضات والمقايضات بين قبائل فيفا والحكومة حول نزع مزارع القات ، وقد كذب ذلك العجوز التائب الذي تحدث عن وجود المنتزهات الراقية والاندية الرياضية للشباب الذي يكفي حاجتهم ويشبع رغبتهم ويملئ فراغهم بالنفع والفائدة ولا أقولها تبريرا لماضغ القات ان يمضغ ولكن لإحقاق الحق واظهار معاناتنا ايضا نحن الغير مخزنين!! ثم هب اننا قد جمعنا كل القات من المنطقة ثم أحرقناه دفعه واحدة هل ستصير جازان فعلا كالشرقية او الرياض! لانه حسب وجهة نظرهم هو السبب الرئيسي للتخلف في جازان! أما عوامل البطالة، والأمية، والتأخر والتكدس في تنفيذ المشاريع، وعدم تحمل المسؤولية ، وغياب الأهداف الاستراتيجية فهي اسباب ثانوية هامشية!! وقد صارحنا مولاي خادم الحرمين الشريفين بمقولته الشهيرة: بالتقصير في الماضي اتجاه هذه المنطقة، وسوف تقل نسبة الطلاق وتختفي تماما وسيحتضن الاباء ابنائهم وستتلملم الاسر بعد فكاكها دفعة واحدة وستصير جازان (المدينة الفاضلة)، يسكنها الأقداس، ولا يمكن مقارنة وضعنا طبعا بوضع بريطانيا وسويسرا ومعظم الدول الاروبية التي يسمح فيها بمضع (القات)، فلا نحتاج بعدها لمداهنات من نوع (القات هو سبب تأخر المشاريع التنموية والحضارية). ونحن نؤمن بقدر موقعنا كأي منطقة حدودية بعيدة عن المركز، وما نجران والمنطقة الشمالية عنّا بأفضل حال رغم ندرة وجود بعبع التنمية (القات). لذلك فان رسالتي للمقدم صلاح الغيدان هي : لقد خدعك معد البرنامج والتقارير التي ارسلت اليك، عندما تؤكد ان القات هو مشكلة التخلف في جازان، ومشكلة الشباب الأولى وطير النحس في المنطقة، كان الأولى ان تركز على معضلة الشباب الحقيقية، كعدم وجود أهداف في حياتهم، وعد تحمل المسؤولية، وفقدان الثقة في انفسهم، مم ترتب عليها معضلات كالمخدرات والقات وغيرها.. اخي صلاح.. موضوعي أكبر من هل القات حلال أم حرام؟! هل هو مجدي أو غير مجدي، القضية قضية منطقة حالمة ساهمت في تشويه صورتها أمام الشباب، وستتناقل أجيالنا القادمة هذه القصة وقد توارينا جميعا تحت الثرى،،
موضوع: برنامج 99 : النبتة المحرمة..القات (تحليل إعلامي) 
