الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال
أمهات الأسرى وحزن لاينتهى
من وراء القضبان كن ينادين بأصوات أنهكها التعذيب على أطفالهن، ويرسمن صورًا لهم على جدران المعتقل، وما زلن يذكرن جيدًا مكان وتاريخ ميلادهم تمامًا كما يذكرن يوم إبعادهن عن فلذات أكبادهن، وعن أهلهن، وعن كل شيء تراه الشمس في الخارج.. هؤلاء هن الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
64 أسيرة
تعيش حاليًا 64 أسيرة في معتقل "نفي تريستا" الواقع في الجانب الغربي لمعتقل الرملة ظروفًا قاسية؛ حيث تنتهك كافة حقوقهن الإنسانية والمعيشية، وتفرض عليهن عقوبات جائرة تتنافى مع كل الأعراف والقوانين الدولية، هذا ما اشتكت منه ثلاث أسيرات تم اعتقالهن خلال الانتفاضة الحالية التقت بهن المحامية "فاطمة النتشة"، والأسيرات هن "آمنة جواد منى" -27 عامًا- وهي ممثلة الأسيرات من سكان القدس، وإيرانيا سراحنة -25 عامًا- وهي من أصل أوكراني، و"وصفية أبو عجمية" -17 عامًا- من مخيم الدهيشة بيت لحم.
اشتكت هؤلاء الأسيرات من تعرضهن للضرب المبرح والوحشي لأتفه الأسباب، والتفتيش العاري، وحرمانهن من الزيارات وتلقي الرسائل، إضافة إلى عدم كفاية الطعام المقدم لهن، وعدم تنويع الأطعمة، وتقليص مدة الخروج إلى الفورة (أي الخروج من داخل الغرف إلى الباحة)، علاوة على إخراجهن بمصاحبة قوة مؤلفة من ضابط وملازم أول وثلاث سجانات، وتقوم الإدارة بإغلاق الغرف أثناء الفورة، وتمنع الأسيرات من العودة إلى الغرف خلال الساعات الثلاثة المسموح بها لأي سبب كان ، حتى ولو كان الطقس ماطرًا أو عاصفًا.
وذكرت الأسيرات أن هنالك إهمالاً طبيًا تجاه الأسيرات المريضات، ولا يقدم علاج شافٍ لهن، ومن بينهن الأسيرة "آمال محمود"، وهي تعاني من آلام شديدة في الظهر؛ إذ أجريت لها عملية جراحية قبل اعتقالها، وازدادت الالتهابات في مكان العملية، وهي بحاجة ماسة إلى طبيب عظام متخصص ليعالجها.
وكذلك الحال بالنسبة للأسيرة "سونا الراعي" التي تعاني من مرض نفسي، ولا تنام إلا بأقراص منومة، وتحتاج إلى متابعة الطبيب.
لا إنسانية الأوضاع
كما أكدت الأسيرات أن هناك نقصًا في الملابس الشتوية؛ إذ يعتمدن في تدبير ذلك بالدرجة الأولى على ما يجلبه الأهل من حاملي البطاقة الإسرائيليين، بالإضافة إلى النقص الحاد في الكتب، وخصوصًا كتب التوجيهي (الثانوية العامة) وعدم السماح لهن بالدراسة عن طريق الانتساب.
وقالت الأسيرة "آمنة منى" التي تعاني من قرحة ونزيف في المعدة: "إنني مريضة، ولا يقدم لي أي علاج، ونعاني جميعنا من عمليات التفتيش التي تتم بطريقة وحشية من قبل السجانات؛ حيث يتم تكسير الأجهزة الكهربية بحجة البحث عن ممنوعات".
وفي تقرير خاص قدمته المحامية الإسرائيلية "أليغرأباتشيكو" أكدت أن آمنة تتعرض بشكل مستمر للتهديد بالقتل من قبل السجينات الجنائيات اليهوديات، وإدارة السجن تتهمها بقيادة الأسيرات، وتنظيم خطوات احتجاجية داخل السجن، وقد رافق هذه التهديد حملات إرهابية وحشية تمثلت بتكرار الاعتداء عليها بالضرب المبرح والتعذيب القاسي منذ اليوم الأول لاعتقالها؛ وهو ما ترك آثارًا على جسدها، خاصة أنها تعاني أساسًا من آلام في الظهر وتقرحات مكان العملية، وبالرغم من ذلك فقد وضعتها إدارة السجن في زنزانة انفرادية، وأطلقوا موسيقى صاخبة على باب زنزانتها، وبعد انتهاء التحقيق وإخراجها إلى السجن دخل عليها خمسة عشر شرطيًا وشرطية، وقيدوا يديها وقدميها، وأجبروها عنوة على الركوع إلى الأرض، ورأسها إلى أسفل ثم انهالوا عليها بالضرب المبرح؛ وهو ما أدى إلى ترك جروح وكدمات على جسدها، ووجد أسفل قدمها اليسرى جرح قطره 5 سم، وتعاني من كدمات في رسغها، وأوجاع مؤلمة في معدتها جراء الضرب والتقييد.
أما والدة آمنة الصابرة فقالت: "تتميز آمنة بشخصيتها القوية، وذكائها وإصرارها على الحق، ولا تخضع للذل والهوان، وتسعى جاهدة إلى المطالبة بحقها وبحق الأسيرات، خاصة أن أغلبهن قاصرات، ويعانين من ظروف معيشية سيئة في الأسر؛ لذلك سرعان ما تم اختيارها ممثلة لهن.
وعن محاولة ابنتها طعن جندي مدجج بالسلاح قالت والدتها: "آمنة ليست مجرمة، الاحتلال هو الذي زرع في قلبها الكراهية له؛ فقد سبق أن اعتقلت 4 مرات قبل أن تكمل الثامنة عشرة من عمرها، وكانت تتعرض خلال ذلك للضرب المبرح من جنود الاحتلال، وفي كل مرة تتعرض فيها للاعتقال تزداد تصميمًا على فضح جرائمه، وهو ما دفعها لتدرس صحافة وإعلام في جامعة بيرزيت، وبعد أن تخرجت بدأت في التعبير عن هموم شعبها عبر نشرة الصنوبر، كما تطوعت للعمل في إحدى جمعيات حقوق الطفل في رام الله لتخلّص أطفال الانتفاضة من الأزمات النفسية التي يخلفها العدوان الإسرائيلي المتواصلة عليهم".
طفلة أسيرة
إيمان الفلسطينيات بقضيتهن مستمر حتى النصر
كانت تحفظ أسماء الأسرى والأسيرات، وتتابع البرامج الخاصة بهن، حتى أصبحت واحدة منهن وبينهن، الطفلة "سناء عمرو" -14 عامًا- من "دورا" مدينة الخليل، التي اعتقلت هي وشقيقتها عبير -22 عامًا- في الثامن والعشرين من شباط العام الماضي بتهمة المشاركة في أعمال المقاومة.. أكدت لنا -بعد أن أطلق سراحها فيما بقيت شقيقتها- أن عبير تعاني من أمراض مختلفة، وبحاجة ماسة لإجراء عملية جراحية ونقل للمستشفى، غير أن إدارة السجن تماطل في تقديم العلاج اللازم لها.
أسيرات وراء القضبان
يُشار إلى أن آخر أسيرة تم اعتقالها هي" عبلة سعدات" زوجة الأمين العام للجبهة الشعبية وتحرير فلسطين أحمد سعدات، وذلك أثناء عبورها جسر "اللنبي" متجهة إلى الأردن؛ حيث كان من المقرر أن تسافر من عمان إلى البرازيل للمشاركة في مؤتمر تضامني، لكنها لم تغادر الجسر، واختفت آثارها.
وحسبما أفادت مصادر إسرائيلية.. فإن المحكمة العسكرية الإسرائيلية صادقت على أمر اعتقال إداري للسيدة سعدات لمدة خمسة أشهر صادر عن وزير الأمن الإسرائيلي "شاؤول موفاز" بتهمة ضلوعها بشكل فعال في نشاطات الجبهة الشعبية، وهو ما قوبل بالتنديد والاستنكار من قبل جهات محلية ودولية، طالبت بالإفراج عن سعدات وكل الأسرى والمعتقلين في معسكرات الاعتقال الإسرائيلي.
أما بالنسبة لأقدم أسيرة ما زالت تمكث في سجون الاحتلال الإسرائيلي فهي الأسيرة "سونيا محمود الراعي" التي تم اعتقالها في شهر إبريل من العام 1997 بتهمة إصابة جندي إسرائيلي بطلق ناري قرب جسر الأردن، وذلك في ذكرى استشهاد شقيقها إبراهيم الراعي الذي استشهد تحت أيدي المحققين الإسرائيليين إثر التعذيب الذي تعرض له، وحكم عليها بالسجن 12 عامًا.
الأسير الرضيع
وأوضحت تقارير وزارة شؤون الأسرى والمحررين أن "آلاء الأطرش "من مواليد عام 1988 من مدينة الخليل هي أصغر أسيرة، تم اعتقالها بتهمة المشاركة في أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فيما يعتبر المولود "وائل" أصغر أسير؛ إذ وضعته أمه الأسيرة ميرفت طه في مستشفى "أساف هاروفيه" الذي يبعد عن "سجن المرلة" 5 كيلومترات، ثم أودعوها السجن منذ أكثر من شهرين لتحتضنه لمدة عامين فقط حسب القانون الإسرائيلي. كما أن الأسيرة تعاني من ظروف صعبة للغاية هي ومولودها، خاصة أنها لا تستطيع إرضاعه بسبب وجود جروح في الصدر، وترفض إدارة السجن مساعدتها بإحضار آلة بلاستكية لتتمكن من إرضاعه، ومنع ذويها من إحضارها أيضًا.
والجدير ذكره أن هناك أسيرة من أصل يهودي تقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي هي "إيرينا نيقولاي بولستيك بقوتا" متزوجة من فلسطيني من مخيم الدهيشة في بيت لحم، وهو أيضًا معتقل، والاثنان متهمان بالمساعدة في نقل استشهاديين وتسهيل مهامهم حسب المصادر الإسرائيلية.
علاوة على الأسيرة "إيمان أبو خوصة"، وهي الوحيدة من قطاع غزة، والمتهمة بالتدبير لعملية استشهادية.
مجرمو حرب
وفي حديث خاص مع وزير الأسرى والمحررين هشام عبد الرازق أكد أن الأغلبية الساحقة من الأسيرات موقوفات للمحاكمة تحت تهمة مقاومة الاحتلال، مشيرًا إلى أن عدد الأسيرات قبل الانتفاضة الحالية كان ثلاث أسيرات فقط؛ إذ تم الإفراج عن معظم الأسيرات ضمن اتفاقية "طابا" وبروتوكول الخليل، فيما يصل عددهن الآن إلى 64 أسيرة.
وأبدى عبد الرازق استياءه من دور منظمة الصليب الأحمر، ووصفه بـ"المقصر جدًّا"، خاصة فيما يتعلق بمتابعة أوضاع الأسرى، وعدم نشره الظروف القاسية التي يحياها الأسرى عامة.
وناشد عبد الرازق المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إعطاء الأولوية لقضية الأسرى والأسيرات، مشيرًا إلى أن وزارته رفعت مؤخرًا مذكرة للأمم المتحدة لحثها على اتخاذ قرارات تمنع سلطات الاحتلال من استخدام العنف داخل سجونها ضد الأسرى الفلسطينيين، وخاصة أثناء فترة التحقيق، إضافة إلى المطالبة بمحاكمة إسرائيل "كمجرم حرب"، وفقًا لما جاء في اتفاقية جنيف الرابعة، وباعتبار الأسرى والأسيرات الفلسطينيات أسرى حرب
[center]